فصل: جَوَازُ الْهَجْرِ لِلتّأْدِيبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.يَنْبَغِي لِلرّجُلِ أَنْ يَرِدَ حَرّ الْمُصِيبَةِ بِرُوحِ التّأَسّي بِمَنْ لَقِيَ مِثْلَ مَا لَقِي:

وَقَوْلُ كَعْبٍ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ مُرَارَةُ بْنُ الرّبِيع وَهِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ فِيهِ أَنّ الرّجُلَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرِدَ حَرّ الْمُصِيبَةِ بِرُوحِ التّأَسّي بِمَنْ لَقِيَ مِثْلَ مَا لَقِيَ وَقَدْ أَرْشَدَ سُبْحَانَهُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النّسَاءُ 104] وَهَذَا هُوَ الرّوحُ الّذِي مَنَعَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ النّارِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزّخْرُفُ 39]. وَقَوْلُهُ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ هَذَا الْمَوْضِعُ مِمّا عُدّ مِنْ أَوْهَامِ الزّهْرِيّ فَإِنّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالسّيَرِ الْبَتّةَ ذَكَرَ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ فِي أَهْلِ بَدْرٍ لَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا الْأُمَوِيّ وَلَا الْوَاقِدِيّ وَلَا أَحَدٌ مِمّنْ عَدّ أَهْلَ بَدْرٍ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَلّا يَكُونَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَهْجُرْ حَاطِبًا وَلَا عَاقَبَهُ وَقَدْ جَسّ عَلَيْهِ وَقَالَ لِعُمَرَ لَمّا هَمّ بِقَتْلِهِ وَمَا يُدْرِيكَ أَنّ اللّهَ اطّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم وَأَيْنَ ذَنْبُ التّخَلّفِ مِنْ ذَنْبِ الْجَسّ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيّ: وَلَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ وَتَحْقِيقِهِ حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ الْأَثْرَمَ قَدْ ذَكَرَ الزّهْرِيّ وَذَكَرَ فَضْلَهُ وَحِفْظَهُ وَإِتْقَانَهُ وَأَنّهُ لَا يَكَادُ يُحْفَظُ عَلَيْهِ غَلَطٌ إلّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنّهُ قَالَ إنّ مُرَارَةَ بْنَ الرّبِيعِ وَهِلَالَ بْنَ شَهِدَا بَدْرًا وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ وَالْغَلَطُ لَا يُعْصَمُ مِنْهُ إنْسَانٌ.

.فصل نَهْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ لِتَأْدِيبِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِمْ:

وَفِي نَهْيِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِمْ وَكَذِبِ الْبَاقِينَ فَأَرَادَ هَجْرَ الصّادِقِينَ وَتَأْدِيبَهُمْ عَلَى هَذَا الذّنْبِ وَأَمّا الْمُنَافِقُونَ فَجُرْمُهُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِالْهَجْرِ فَدَوَاءُ هَذَا الْمَرَضِ لَا يُعْمَلُ فِي مَرَضِ النّفَاقِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ الرّبّ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ فِي عُقُوبَاتِ جَرَائِمِهِمْ فَيُؤَدّبُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الّذِي يُحِبّهُ وَهُوَ كَرِيمٌ عِنْدَهُ بِأَدْنَى زَلّةٍ وَهَفْوَةٍ فَلَا يَزَالُ مُسْتَيْقِظًا حَذَرًا وَأَمّا مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ وَهَانَ عَلَيْهِ فَإِنّهُ يُخَلّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعَاصِيهِ وَكُلّمَا أَحْدَثَ ذَنْبًا أَحْدَث لَهُ نِعْمَةً وَالْمَغْرُورُ يَظُنّ أَنّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنّ ذَلِكَ عَيْنُ الْإِهَانَةِ وَأَنّهُ يُرِيدُ بِهِ الْعَذَابَ الشّدِيدَ وَالْعُقُوبَةَ الّتِي لَا عَاقِبَةَ مَعَهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ إذَا أَرَادَ اللّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجّلَ لَهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرّا أَمْسَكَ عَنْهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدّنْيَا فَيَرِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِذُنُوبِهِ.

.جَوَازُ الْهَجْرِ لِلتّأْدِيبِ:

وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى هِجْرَانِ الْإِمَامِ وَالْعَالِمِ وَالْمُطَاعِ لِمَنْ فَعَلَ مَا يَسْتَوْجِبُ الْعَتَبُ وَيَكُونُ هِجْرَانُهُ دَوَاءً لَهُ بِحَيْثُ لَا يَضْعُفُ عَنْ حُصُولِ الشّفَاءِ بِهِ وَلَا يَزِيدَ فِي الْكَمّيّةِ وَالْكَيْفِيّةِ عَلَيْهِ فَيُهْلِكُهُ إذْ الْمُرَادُ تَأْدِيبُهُ لَا إتْلَافُهُ.

.التّنَكّرُ وَالْوَحْشَةُ دَلِيلٌ عَلَى حَيَاةِ الْقَلْبِ:

وَقَوْلِهِ حَتّى تَنَكّرَتْ لِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ بَالَتِي أَعْرِف هَذَا التّنَكّرُ يَجِدُهُ الْخَائِفُ وَالْحَزِينُ وَالْمَهْمُومُ فِي الْأَرْضِ وَفِي الشّجَرِ وَالنّبَاتِ حَتّى يَجِدَهُ فِيمَنْ لَا يَعْلَمُ حَالَهُ مِنْ النّاسِ وَيَجِدُهُ أَيْضًا الْمُذْنِبُ الْعَاصِي بِحَسَبِ جُرْمِهِ حَتّى فِي خُلُقِ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَدَابّتِهِ وَيَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا فَتَتَنَكّرُ لَهُ نَفْسُهُ حَتّى مَا يَخْفَى إلّا عَلَى مَنْ هُوَ مَيّتُ الْقَلْبِ وَعَلَى حَسَبِ حَيَاةِ الْقَلْبِ يَكُونُ إدْرَاكُ هَذَا التّنَكّرِ وَالْوَحْشَةِ.
وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيّتٍ إيلَامُ

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ هَذَا التّنَكّرَ وَالْوَحْشَةَ كَانَا لِأَهْلِ النّفَاقِ أَعْظَمَ وَلَكِنْ لِمَوْتِ قُلُوبِهِمْ لَمْ يَكُونُوا يَشْعُرُونَ بِهِ وَهَكَذَا الْقَلْبُ إذَا اسْتَحْكَمَ مَرَضُهُ وَاشْتَدّ أَلَمُهُ بِالذّنُوبِ وَالْإِجْرَامِ لَمْ يَجِدْ هَذِهِ الْوَحْشَةَ وَالتّنَكّرَ وَلَمْ يَحُسّ بِهَا وَهَذِهِ عَلَامَةُ الشّقَاوَةِ وَأَنّهُ قَدْ أَيسَ مِنْ عَافِيَةِ هَذَا الْمَرَضِ وَأَعْيَا الْأَطِبّاءَ شِفَاؤُهُ وَالْخَوْفُ وَالْهَمّ مَعَ الرّيبَةِ وَالْأَمْنِ وَالسّرُورُ مَعَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الذّنْبِ.
فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْجَعُ مِنْ بَرِيءٍ ** وَلَا فِي الْأَرْضِ أَخْوَفُ مِنْ مُرِيبٍ

وَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْبَصِيرُ إذَا اُبْتُلِيَ بِهِ ثُمّ رَاجَعَ فَإِنّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ نَفْعًا عَظِيمًا مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ تُفَوّتُ الْحَصْرَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا إلّا اسْتِثْمَارُهُ مِنْ ذَلِكَ أَعْلَامَ النّبُوّةِ وَذَوْقُهُ نَفْسَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرّسُولُ فَيَصِيرُ تَصْدِيقُهُ ضَرُورِيّا عِنْدَهُ وَيَصِيرُ مَا نَالَهُ مِنْ الشّرّ بِمَعَاصِيهِ وَمِنْ الْخَيْرِ بِطَاعَاتِهِ مِنْ أَدِلّةِ صِدْقِ النّبُوّةِ الذّوْقِيّةِ الّتِي لَا تَتَطَرّقُ إلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ وَهَذَا كَمَنْ أَخْبَرَك أَنّ فِي هَذِهِ الطّرِيقِ مِنْ الْمَعَاطِبِ وَالْمَخَاوِفِ كَيْتَ وَكَيْتَ عَلَى التّفْصِيلِ فَخَالَفَتْهُ وَسَلَكَتْهَا فَرَأَيْتَ عَيْنَ مَا أَخْبَرَك بِهِ فَإِنّك تَشْهَدُ صِدْقَهُ فِي نَفْسِ خِلَافِك لَهُ وَأَمّا إذَا سَلَكَتْ طَرِيقَ الْأَمْنِ وَحْدَهَا وَلَمْ تَجِدْ مِنْ تِلْكَ الْمَخَاوِفِ شَيْئًا فَإِنّهُ وَإِنْ شَهِدَ صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِمَا نَالَهُ مِنْ الْخَيْرِ وَالظّفَرِ مُفَصّلًا فَإِنّ عِلْمَهُ بِتِلْكَ يَكُونُ مُجْمَلًا.

.فصل عِلّةُ تَخَلّفِ صَدِيقَيْ كَعْبٍ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ:

وَمِنْهَا: أَنّ هِلَالَ بْنَ أُمَيّةَ وَمُرَارَةَ قَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا وَكَانَا يُصَلّيَانِ فِي بُيُوتِهِمَا وَلَا يَحْضُرَانِ الْجَمَاعَةَ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِينَ لِلرّجُلِ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ التّخَلّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ يُقَالُ مِنْ تَمَامِ هِجْرَانِهِ أَنْ لَا يَحْضُرَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ يُقَالُ فَكَعْبٌ كَانَ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا عَتَبَ عَلَيْهِمَا عَلَى التّخَلّفِ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ لَمّا أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِهَجْرِهِمْ تَرَكُوا: فَكَانَ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ الْجَمَاعَةَ لَمْ يُمْنَعْ وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يُكَلّمْ أَوْ يُقَالُ لَعَلّهُمَا ضَعَفَا وَعَجَزَا عَنْ الْخُرُوجِ وَلِهَذَا قَالَ كَعْبٌ وَكُنْت أَنَا أَجْلَدَ الْقَوْمِ وَأَشْبَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ.

.رَدّ السّلَامِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقّ الْهَجْرَ غَيْرَ وَاجِبٍ:

وَقَوْلُهُ وَآتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُسَلّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصّلَاةِ فَأَقُولُ هَلْ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدّ السّلَامِ عَلَيّ أَمْ لَا؟ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الرّدّ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقّ الْهَجْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ إذْ لَوْ وَجَبَ الرّدّ لَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ إسْمَاعِهِ.

.دُخُولُ دَارِ الصّاحِبِ مِنْ غَيْرِ إذْن:

وَقَوْلُهُ حَتّى إذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيّ تَسَوّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ الْإِنْسَانِ دَارَ صَاحِبِهِ وَجَارِهِ إذَا عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ.

.قَوْلُ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ لَيْسَ بِخِطَابٍ:

وَفِي قَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ لَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ هَذَا لَيْسَ بِخِطَابٍ وَلَا كَلَامٍ لَهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلّمُهُ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ جَوَابًا لَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَا سِيّمَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ مُكَالَمَتَهُ وَهُوَ الظّاهِرُ مِنْ حَالِ أَبِي قَتَادَةَ.

.إشَارَةُ النّاسِ إلَى النّبَطِيّ عَلَى كَعْبٍ دُونَ نُطْقِهِمْ تَحْقِيقٌ لِمَقْصُودِ الْهِجْرَانِ:

وَفِي إشَارَةِ النّاس إلَى النّبَطِيّ الّذِي كَانَ يَقُولُ مَنْ يَدُلّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ دُونَ نُطْقِهِمْ لَهُ تَحْقِيقٌ لِمَقْصُودِ الْهَجْرِ وَإِلّا فَلَوْ قَالُوا لَهُ صَرِيحًا: ذَاكَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَلَامًا لَهُ فَلَا يَكُونُونَ بِهِ مُخَالِفِينَ لِلنّهْيِ وَلَكِنْ لِفَرْطِ تَحَرّيهِمْ وَتَمَسّكِهِمْ بِالْأَمْرِ لَمْ يَذْكُرُوهُ لَهُ بِصَرِيحِ اسْمِهِ. وَقَدْ يُقَالُ إنّ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ نَوْعَ مُكَالَمَةٍ لَهُ وَلَا سِيّمَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى الْمَقْصُودِ بِكَلَامِهِ وَهِيَ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَنْعِ الْحِيَلِ وَسَدّ الذّرَائِعِ وَهَذَا أَفْقَهُ وَأَحْسَنُ.

.ابْتِلَاءُ اللّهِ لِكَعْبٍ بِمُكَاتَبَةِ مَلِكِ غَسّانَ لَهُ:

وَفِي مُكَاتَبَةِ مَلِكِ غَسّانَ لَهُ بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ ابْتِلَاءٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى وَامْتِحَانٌ لِإِيمَانِهِ وَمَحَبّتِهِ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَإِظْهَارٌ لِلصّحَابَةِ أَنّهُ لَيْسَ مِمّنْ ضَعُفَ إيمَانُهُ بِهَجْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمِينَ لَهُ وَلَا هُوَ مِمّنْ تَحْمِلُهُ الرّغْبَةُ فِي الْجَاهِ وَالْمُلْكِ مَعَ هِجْرَانِ الرّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ لَهُ عَلَى مُفَارَقَةِ دِينِهِ فَهَذَا فِيهِ مِنْ تَبْرِئَةِ اللّهِ لَهُ مِنْ النّفَاقِ وَإِظْهَارِ قُوّةِ إيمَانِهِ وَصِدْقِهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَيْهِ وَلُطْفِهِ بِهِ وَجَبْرِهِ لِكَسْرِهِ وَهَذَا الْبَلَاءُ يُظْهِرُ لُبّ الرّجُلِ وَسِرّهُ.

.إتْلَافُ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْمَضَرّةُ فِي الدّينِ:

وَقَوْلُهُ فَتَيَمّمْت بِالصّحِيفَةِ التّنّورَ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى إتْلَافِ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْمَضَرّةُ فِي الدّينِ وَأَنّ الْحَازِمَ لَا يَنْتَظِرُ بِهِ وَلَا يُؤَخّرُهُ وَهَذَا كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمّرَ وَكَالْكِتَابِ الّذِي يُخْشَى مِنْهُ الضّرَرُ وَالشّرّ فَالْحَزْمُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إتْلَافِهِ وَإِعْدَامِهِ.

.عَدَاوَةُ غَسّانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ:

وَكَانَتْ غَسّانُ إذْ ذَاكَ- وَهُمْ مُلُوكُ عَرَبِ الشّامِ- حَرْبًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانُوا يُنْعِلُونَ خُيُولَهُمْ لِمُحَارَبَتِهِ وَكَانَ هَذَا لَمّا بَعَثَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ الْأَسَدِيّ إلَى مَلِكِهِمْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَتَبَ مَعَهُ إلَيْهِ قَالَ شُجَاعٌ فَانْتَهَيْتُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي غَوْطَةِ دِمَشْقَ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِتَهْيِئَةِ الْأَنْزَالِ وَالْأَلْطَافِ لِقَيْصَرَ وَهُوَ جَاءٍ مِنْ حِمْصَ إلَى إيلِيَاءَ فَأَقَمْتُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَقُلْتُ لِحَاجِبِهِ إنّي رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ فَقَالَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ حَتّى يَخْرُجَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَجَعَلَ حَاجِبُهُ- وَكَانَ رُومِيّا اسْمُهُ مُرّيّ- يَسْأَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْتُ أُحَدّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا يَدْعُو إلَيْهِ فَيَرِقّ حَتّى يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ وَيَقُولَ إنّي قَرَأْتُ الْإِنْجِيلَ فَأَجِدُ صِفَةَ هَذَا النّبِيّ بِعَيْنِهِ فَأَنَا أُؤْمِنُ بِهِ وَأُصَدّقُهُ فَأَخَافُ مِنْ الْحَارِثِ أَنْ يَقْتُلَنِي وَكَانَ يُكْرِمُنِي وَيُحْسِنُ ضِيَافَتِي. وَخَرَجَ الْحَارِثُ يَوْمًا فَجَلَسَ فَوَضَعَ التّاجَ عَلَى رَأْسِهِ فَأَذِنَ لِي عَلَيْهِ فَدَفَعْت إلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَرَأَهُ ثُمّ رَمَى بِهِ قَالَ مَنْ يَنْتَزِعُ مِنّي مُلْكِي وَقَالَ أَنَا سَائِرٌ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بِالْيَمَنِ جِئْته عَلَيّ بِالنّاسِ فَلَمْ تَزَلْ تُعْرَضُ حَتّى قَامَ وَأَمَرَ بِالْخُيُولِ تُنْعَلُ ثُمّ قَالَ أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا تَرَى وَكَتَبَ إلَى قَيْصَرَ يُخْبِرُهُ خَبَرِي وَمَا عَزَمَ عَلَيْهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ قَيْصَرُ أَنْ لَا تَسِرْ وَلَا تَعْبُرْ إلَيْهِ وَالْهُ عَنْهُ وَوَافِنِي بِإِيلِيَاءَ فَلَمّا جَاءَهُ جَوَابُ كِتَابِهِ دَعَانِي فَقَالَ مَتَى تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ إلَى صَاحِبِك؟ فَقُلْت: غَدًا فَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ مِثْقَالٍ ذَهَبًا وَوَصَلَنِي حَاجِبُهُ بِنَفَقَةٍ وَكُسْوَةٍ وَقَالَ اقْرَأْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّي السّلَامَ فَقَدِمْت صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ بَادَ مُلْكُهُ وَأَقْرَأْتُهُ مِنْ حَاجِبِهِ السّلَامَ وَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ وَمَاتَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ عَامَ الْفَتْحِ فَفِي هَذِهِ الْمُدّةِ أَرْسَلَ مَلِكُ غَسّانَ يَدْعُو كَعْبًا إلَى اللّحَاقِ بِهِ فَأَبَتْ لَهُ سَابِقَةُ الْحُسْنَى أَنْ يَرْغَبَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدِينِهِ.

.فصل أَمْرُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِهَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ بِاعْتِزَالِ نِسَائِهِمْ كَالْبِشَارَةِ بِمُقَدّمَاتِ الْفَرَجِ مِنْ حَيْثُ إرْسَالُهُ لَهُمْ بِذَلِكَ وَالْجِدّ فِي الْعِبَادَةِ بِاعْتِزَالِ النّسَاءِ:

فِي أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِهَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ أَنْ يَعْتَزِلُوا نِسَاءَهُمْ لِمَا مَضَى لَهُمْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً كَالْبِشَارَةِ بِمُقَدّمَاتِ الْفَرَجِ وَالْفَتْحِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: كَلَامُهُ لَهُمْ وَإِرْسَالُهُ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يُكَلّمُهُمْ بِنَفْسِهِ وَلَا بِرَسُولِهِ.
الثّانِي: مِنْ خُصُوصِيّةِ أَمْرِهِمْ بِاعْتِزَالِ النّسَاءِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ لَهُمْ إلَى الْجِدّ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَشَدّ الْمِئْزَرِ وَاعْتِزَالِ مَحَلّ اللّهْوِ وَاللّذّةِ وَالتّعَوّضِ عَنْهُ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَفِي هَذَا إيذَانٌ بِقُرْبِ الْفَرَجِ وَأَنّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْعَتَبِ أَمْرٌ يَسِيرٌ. وَفِقْهُ هَذِهِ الْقِصّةِ أَنّ زَمَنَ الْعِبَادَاتِ يَنْبَغِي فِيهِ تَجَنّبُ النّسَاءِ كَزَمَنِ الْإِحْرَامِ وَزَمَنِ الِاعْتِكَافِ وَزَمَنِ الصّيَامِ فَأَرَادَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ هَذِهِ الْمُدّةِ فِي حَقّ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ أَيّامِ الْإِحْرَامِ وَالصّيَامِ فِي تَوَفّرِهَا عَلَى الْعِبَادَةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَوّلِ الْمُدّةِ رَحْمَةً بِهِمْ وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ إذْ لَعَلّهُمْ يَضْعُفُ صَبْرُهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ فِي جَمِيعِهَا فَكَانَ مِنْ اللّطْفِ بِهِمْ وَالرّحْمَةِ أَنْ أُمِرُوا بِذَلِكَ فِي آخِرِ الْمُدّةِ كَمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْحَاجّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ لَا مِنْ حِينِ يَعْزِمُ عَلَى الْحَجّ.

.لَفْظُ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَقَعُ إذَا لَمْ يَرُدّهُ:

وَقَوْلُ كَعْبٍ لِامْرَأَتِهِ الْحَقِي بِأَهْلِك دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ اللّفْظَةِ وَأَمْثَالِهَا طَلَاقٌ مَا لَمْ يَنْوِهِ. وَالصّحِيحُ إنّ لَفْظَ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحُرّيّةِ كَذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ تَسْيِيبِ الزّوْجَةِ وَإِخْرَاجِ الرّقِيقِ عَنْ مُلْكِهِ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ هَذَا هُوَ الصّوَابُ الّذِي نَدِينُ اللّهَ بِهِ وَلَا نَرْتَابُ فِيهِ الْبَتّةَ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ إنّ غُلَامَك تَزْنِي فَقَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ غُلَامٌ عَفِيفٌ حُرّ وَجَارِيَةٌ عَفِيفَةٌ حُرّةٌ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ حُرّيّةَ الْعِتْقِ وَإِنّمَا أَرَادَ حُرّيّةَ الْعِفّةِ فَإِنّ جَارِيَتَهُ وَعَبْدَهُ لَا يُعْتَقَانِ بِهَذَا أَبَدًا وَكَذَا إذَا قِيلَ لَهُ كَمْ لِغُلَامِك عِنْدَك سَنَةً؟ فَقَالَ هُوَ عَتِيقٌ عِنْدِي وَأَرَادَ قِدَمَ مُلْكِهِ لَهُ لَمْ يُعْتِقْ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ الطّلْقُ فَسُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَلَمْ يَخْطِرْ بِقَلْبِهِ إيقَاعُ الطّلَاقِ وَإِنّمَا أَرَادَ أَنّهَا فِي طَلْقِ الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ بِهَذَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ صَرِيحَةٌ إلّا فِيمَا أُرِيدَ بِهَا وَدَلّ السّيَاقُ عَلَيْهَا فَدَعْوَى أَنّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْعَتَاقِ وَالطّلَاقِ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ مُكَابَرَةٌ وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ قَطْعًا.

.فصل كَانَ سُجُودُ الشّكْرِ مِنْ عَادَةِ الصّحَابَةِ:

وَفِي سُجُودِ كَعْبٍ حِينَ سَمِعَ صَوْتَ الْمُبَشّرِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ أَنّ تِلْكَ كَانَتْ عَادَةُ الصّحَابَةِ وَهِيَ سُجُودُ الشّكْرِ عِنْدَ النّعَمِ الْمُتَجَدّدَةِ وَالنّقَمِ الْمُنْدَفِعَةِ وَقَدْ سَجَدَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ لَمّا جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ وَسَجَدَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَمّا وَجَدَ ذَا الثّدَيّةِ مَقْتُولًا فِي الْخَوَارِج وَسَجَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَشّرَهُ جِبْرِيلُ أَنّهُ مَنْ صَلّى عَلَيْهِ مَرّةً صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا وَسَجَدَ حِينَ شَفَعَ لِأُمّتِهِ فَشَفّعَهُ اللّهُ فِيهِمْ ثَلَاثَ مَرّاتٍ وَأَتَاهُ بَشِيرٌ فَبَشّرَهُ بِظَفَرِ جُنْدٍ لَهُ عَلَى عَدُوّهِمْ وَرَأْسِهِ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ فَقَامَ فَخَرّ سَاجِدًا وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرّهُ خَرّ لِلّهِ سَاجِدًا وَهِيَ آثَارٌ صَحِيحَةٌ لَا مَطْعَنَ فِيهَا.

.حِرْصُ الصّحَابَةِ عَلَى الْخَيْرِ:

وَفِي اسْتِبَاقِ صَاحِبِ الْفَرَسِ وَالرّاقِي عَلَى سِلَعٍ لِيُبَشّرَا كَعْبًا دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِ الْقَوْمِ عَلَى الْخَيْرِ وَاسْتِبَاقِهِمْ إلَيْهِ وَتَنَافُسِهِمْ فِي مَسَرّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.